أمجد Admin
عدد المساهمات : 23015 تاريخ التسجيل : 03/11/2010 العمر : 34
| موضوع: لئن شكرتم لأزيدنكم الأحد أبريل 29, 2012 3:32 am | |
| بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الحمد لله على عظيم مننه، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّدٍ عبده وخاتم أنبيائه ورسله وسلَّم تسليمًا كثيرًا، ونبرأ إليه -تعالى- من الحول والقوَّة، ونستعينه على كلِّ ما يعصم في الدُّنيا من جميع المخاوف والمكاره، ويخلص في الأخرى من كلِّ هولٍ وفزعٍ.
إخواني في الله، أحيِّيكم بتحيَّة الإسلام، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فما أكثر النّعم الَّتي أنعم الله بها علينا، وتحيط بنا يمنةً ويسرةً، أمامنا ووراءنا، فوقنا وتحتنا، حتى وإن غفلنا عن الكثير منها، وصدق الله {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النَّحل: 18].
والإنسان إذا كان في نعمةٍ فإنَّه يتمنى أن لا تسلب منه ولا تزول عنه، ويحبُّ زيادتها ونماءها، فإذا كان يتقاضي راتبًا مجزيًا يؤمن له ضروراته، ويلبي له حاجاته، ويحيا به في بحبوحةٍ من العيش، فإنَّه يتمنى دوامه واستقراره ويحب زيادته، إذا كان الإنسان في عافيةٍ سابغةٍ وصحَّةٍ كاملةٍ، فإنَّه يتمنى أن لا يمرض ، ويودُّ لو عاش بصحَّته وعافيته عمره كلَّه، إذا كان المرء في بلدٍ آمنٍ طيِّبٍ، يأمن فيه على نفسه وعلى ماله وعلى عرضه وعلى دينه وعلى كلِّ شأنه، في الوقت الَّذي يرى فيه النَّاس حوله لا يأمنون على شيءٍ، وتتخطفهم الحوادث والصِّراعات، فإنَّه ربما يدعو ويقول: الله لا يغير علينا.
فهذه نعم إخوة الإسلام توجد عند النَّاس ويحبُّون دوامها واستقرارها، إذ الرَّغبة في بقاء النّعمة ودوامها وحبِّ زيادتها أمرٌ موجودٌ عند النَّاس جميعًا، إلا إنَّ السُّؤال الَّذي ينبغي علينا أن نسأله أنفسنا ونعرف جوابه معرفة صحيحة هو: ما الطَّريق إلى تحقيق هذه الرَّغبة؟ ما الطَّريق إلى المحافظة على ما عندنا من خيرات وأنعم وزيادتها؟
إنَّ الطَّريق إلى ذلك هو الشُّكر قال -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
وشكر الله عبادةٌ جليلةٌ، ومنزلةٌ عظيمةٌ، اتصف بها السَّائرون إلى الله -تعالى- في الطَّريق المستقيم.
ونريد بداية أن نقف مع معنى الشكر: لنعرف حدوده وآفاقه، وذلك لأنَّ العمل فرعٌ من العلم . جاء في لسان العرب: الشُّكر عرفان الإحسان ونشره ويقال: رجلٌ شكورٌ إذا كان كثير الشُّكر، وفي القرآن الكريم عن سيِّدنا نوح: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]، وفي الحديث الصَّحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أن نبيَّ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «قام النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- حتَّى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا» [متفقٌ عليه].
والشَّكور اسمٌ من أسماء الله الحسنى، ومعناه أنَّ القليل من أعمال العباد يزكو عنده ويزيد، قال -تعالى-: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التَّغابن: 17]. والشَّكور من النَّاس هو الَّذي يجتهد في شكر ربِّه على ما أولاه من نعمٍ، بمزيد من الطَّاعة، وأداء ما فرض من عباداتٍ.
والشُّكر مثل الحمد إلا أنَّ الحمد أعمُّ منه؛ وذلك لأنَّ الشكر لا يكون إلا عن معروفٍ سابقٍ ونعمةٍ متقدِّمةٍ، والحمد يكون عن معروفٍ وعن غير معروفٍ، فنحن نشكر الله على آلائه ونعمه الَّتي لا تعدُّ ولا تحصى، ونحمده -سبحانه- على نعمه وعلى أسمائه الحسنى وصفاته العلى.
وبما أنَّ الحمد أعمُّ من الشُّكر فإنَّه قد يطلق على ما يطلق عليه الشُّكر، ومن هذا قول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» [رواه مسلم 2734]، ومعنى الشُّكر اصطلاحًا: هو معروفٌ يقابل به الإنسان النّعمة، وهو على ثلاثة أقسامٍ: شكر بالقلب وهو تصوُّر النّعمة والاعتقاد أنَّ واهبها هو الله -تعالى-، حتى لو أتت على يد أحد من الخلق فإنَّهم وسائط أرسلهم الله لإيصال هذه النّعمة للمنعم عليه، وشكر باللسان، وهو الثَّناء على المنعم بذكر إنعامه وإحسانه، ومنه قوله -تعالى-: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحى: 11].
وشكر بالجوارح: وهو أن يستعمل النِّعمة فيما يرضاه المنعم -سبحانه وتعالى- وأن لا يستعملها في معصيته.
من هنا يتبيَّن أنَّ الشُّكر منزلةٌ عظيمةٌ وصفةٌ كريمةٌ، أمر الله به ونهى عن ضده وهو الكفران والعصيان، قال -تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] ، ويقول أيضًا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّـهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [لقمان: 12].
ووصى النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن نضرع إلى الله وأن نسأله أن يلهمنا الشُّكر، فقد روى النَّسائي وأبو داود والحاكم وصحَّحه ووافقه الذَّهبي عن معاذ بن جبل قال: أخذ بيدي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: «إنِّي لأحبُّك يا معاذ، فقلت: وأنا أحبُّك يا رسول الله، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: فلا تدع أن تقول في كلِّ صلاة، ربِّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» [رواه النَّسائي 1302 وأبو داود 1522 وصحَّحه الألباني].
وسنَّة الله ماضيةٌ في أنَّ الزِّيادة تصاحب الشُّكر، وأنَّ كفر النّعمة تصاحبه العقوبة والحرمان، وتتبدل به الأمور إلى أسوأ حالٍ، فما من قوم أنعم الله عليهم بنعمة وشكروها إلا زادت، وما كفروها إلا زالت: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
قال علي -رضي الله عنه-: "إن النِّعمة موصولة بالشُّكرٌ، والشُّكر معلقٌ بالمزيد، فهما مقرونان في قرنٍ، فلن ينقطع المزيد من الله حتَّى ينقطع الشُّكر من العبد". ويقول الحسن -رضي الله عنه-: "إن الله ليمتع بالنِّعمة، ما شاء فإذا لم يشكر قلبها عذابًا فلا زوال للنِّعم إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت".
وإذا رأيت من يكفر بنعمة الله -سواء باستعمالها في المعصية أو فيما لم تخلق له- فاعلم أنَّ ذلك ليس لكرامته، وإنَّما هو مستدرجٌ، وسيأتي عليه يوم يلاقي فيه حساب كفره لهذه النِّعمة، ويومها سييأس من كلِّ خيرٍ ومعروفٍ.
روى الإمام أحمد وصحَّحه الألباني عن عقبة بن عامر عنِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]» [رواه الألباني 413 في السِّلسلة الصَّحيحة وقال: إسناده قويٌّ].
ولهذا كان الشَّيطان حريصًا على أن يُنسي العبد شكر ربِّه -تبارك وتعالى-، وذلك لما يعلم من أنَّ كفر النِّعمة وعدم شكرها مؤذنٌ بحلول النِّقم، وباعث على زوال النِّعم، فقال لربِّه حين طرده من الجنَّة كما يحكي القرآن الكريم قال: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16-17].
وفي صورتين متتاليتين من القرآن يعرض الله لنا صفحةً للشَّاكرين وصفحةً للكافرين، والَّذين كان مظهر كفرهم هو منع الشُّكر. يعرض الله لنا في قصة الشَّاكرين طرفًا من خبر داود وسليمان -عليهما السَّلام-، حيث يقول الله عن آل داود: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10]، إلى آخر ما يعرض لنا من أنواع النِّعم الَّتي أنعم بها على داود. ثم يذكر سليمان فيقول -سبحانه-: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12]. ويعدد كذلك النَّعم، وبعدها يأمرهم الله بقوله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]. وقد قام داود بحق هذه الآية خير قيامٍ؛ لأنَّه كان مدركًا لنعم الله عليه، فعن الحسن قال: "قال داود -عليه السَّلام-: إلهي لو أنَّ لكلِّ شعرةٍ منِّي لسانين يسبحانك الليل والنَّهار ما قضيت نعمةً من نعمك، وكان يطيع الله بكل جهده واستطاعته"، فعن ثابت البناني قال: "كان داود -عليه السَّلام- قد جزأ على أهله وولده الصَّلاة، فكان لا يأتي عليهم ساعةٌ من الليل والنَّهار إلا وإنسانٌ من آل داود قائمٌ يصلِّي".
ليس هذا فحسب، بل كان داود يعلم أنَّ من نعم الله عليه أن يوفقه للشُّكر، فقد جاء في بعض الآثار: "أنَّ داود -عليه السَّلام- قال: كيف أشكرك يا ربِّ والشُّكر نعمةٌ منك؟ فقال الله: الآن قد عرفتني وشكرتني، إذ قد عرفت أنَّ الشُّكر مني نعمةٌ"، وفي الصُّورة المقابلة يعرض الله لنا قصة سبأ، وما حلَّ بهم من دمارٍ بعد أن كانوا في رخاءٍ من العيش، وأمنٍ في الوطن، وسعةٍ في الرِّزق، وبهجةٍ في الحدائق، ووفرةٍ في الزُّروع، لدرجة أنَّ المرأة كانت تمشي وعلى رأسها مكتل، فيتساقط الثَّمر من الأشجار في هذا المكتل من غير حاجةٍ إلى كلفةٍ، أعطاهم الله كل هذا وأمرهم بالشُّكر، فهل شكروا؟ يقول الله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا} [سبأ: 15-16] فلنتأمل، فأعرضوا، أعرضوا عن ماذا؟ أعرضوا عن شكر الله، فماذا كانت نتيجة الإعراض ؟ يقول الله -تعالى-: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ} [سبأ: 16-17].
فيجب علينا أن نتعلم هذا الدَّرس، وأن نعي هذه العظة، وأن ننظر إلى ما أولانا الله به من نعمٍ، وان نشكره عليها حتَّى لا تزول عنَّا.
وربما يأتي أحد النَّاس ويقول، ماذا عندي، إنَّ فلانًا أصغر منِّي سنًّا، وأقل منِّي منزلةً وليس عندي سيارات كالَّتي عنده، ولا بيوت كالَّتي عنده وكذا وكذا.
وهنا نحب أن نلفت النَّظر لأمرين: الأوَّل: أنَّ الواجب على الإنسان أن ينظر إلى من هو تحته في الدُّنيا وإلى من هو فوقه في الدِّين، يقول النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما يرويه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله» [رواه مسلم 2963]. والمال الكثير والجاه العظيم ابتلاء من الله يقول -تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]. ويقول أحد السَّلف: "ما من النَّاس إلا مبتليه الله بعافيةٍ لينظر كيف يكون شكره أو بمصيبةٍ لينظر كيف يكون صبره".
والإنسان حينما يصبر على المصيبة فإنَّها تتحول من محنةٍ إلى منحةٍ، يقول أحد السَّلف: "ما أصبت في دنياي بمصيبةٍ إلا رأيت لله فيها ثلاث نعم: الأولى أنَّها لم تكن في ديني، والثَّاني إنَّها لم تكن أكبر منها، والثَّالث أنني أرجو ثواب الله فيها" لننظر أيُّها الإخوة نعم في المصائب؟ نعم إنَّها منحٌ تحملها المحن.
والأمر الثَّاني الَّذي نريد أن نلفت النَّظر إليه هو أنَّ كثيرًا من النَّاس يشكون الفقر ويشكون المرض ويشكون أمورًا كثيرةً حينما تسمعها تظنُّ أنَّهم لا يملكون شيئًا.
وهذا نقول له: يا أخي هل ترضى أن تبيع ما تملك بمليون دينار؟ ربما يرد ويقول؟ ماذا عندي أبيعه بمليون دينار؟ إنَّ كلَّ ما عندي لا يساوي شيئًا.
ولهذا الشَّاكي ولمن يشعر بشعوره نقول: استيقظ يا أخي وانظر إلى ما أعطاك الله من نعم تتمتع بها وتغفل عنها.
هل تظنُّ أنَّك حينما تخرج من بيتك وحدك، وتملأ صدرك بالهواء في أنفاسٍ عميقةٍ ورتيبة، وتمد بصرك إلى آفاق الكون فترى العالم وما يموج به من حركة الأحياء والحياة، هل تظنُّ ذلك شيئًا هينًا أو نعمةً قليلةً؟ ألا تعلم أنَّ هناك خلقًا ابتلوا بفقد هذه النِّعم ولا يعلم إلا الله مدى ما يحسونه من ألمٍ؟ فمنهم من حبسٍ في جلده فما يستطيع أن يتحرك بعد أن قيده المرض، ومنهم من يريد أن يتنفس الهواء فما يستطيع إلا بشدةٍ ومعاناةٍ، ومنهم من يتلوى من أكلِّ لقمةٍ؛ لأنَّ معدته لا تقوى على هضمها، إذا كنت أخي معافى من هذه الأمراض فهل تظنُّ أنَّ الله زودك بشيءٍ بسيطٍ؟ أو منحك ما لا تحاسب عليه؟ كلا كلا.
ونكرر مرة أخرى هل تبيع ما تملك بمليون دينار؟ هل تبيع عينيك بمائة ألف؟ هل تبيع لسانك بمائة ألف؟ هل تبيع رجليلك بمائة ألف؟ أو يديك أو سمعك بمائة ألف؟ هل تبيع أولادك بعشرة ملايين دينار؟ هل تبيع عقلك بأيِّ مبلغٍ من المال؟ نظنُّ أن هذا الَّذي كان يشكو يقول الآن: لا لا، لا أبيع ولو بمائة مليون.
جاء رجلٌ إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس: أيسرك ببصرك هذا الَّذي تبصر به مائة ألف درهم؟ فقال الرَّجل: لا، قال: فرجليك؟ قال الرَّجل: لا! فذكره بنعم الله عليه وقال له: "أرى عندك مئين ألوف وتشكو الفاقة النَّاس يشكون وهم أغنياء"، ما السَّبب في هذه؟ السَّبب أنَّ كثيرًا من النَّاس لا يشعر بما يتمتع به من نعمٍ، لأنَّهم يحصلون عليها دون كدٍّ ودون عناءٍ، ودائمًا وأبدًا يقولون ينقصنا كذا وكذا، ونريد كذا وكذا، ولا يقولون عندنا كذا وكذا، وهذا النِّسيان للنِّعمة نذيرُ شرٍّ وسوءٍ؛ لأنَّه مع الوقت يدخل الإنسان في الجحود والَّذي يكون سببًا في الإعراض عن الُّشكر {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6].
يعني كفورٌ وجحودٌ لنعم الله عليه، قال الحسن -رضي الله عنه-: "يذكر المصائب وينسى النِّعم"، وقال الحسن أيضًا: "من لا يرى له نعمة إلا في مطعمٍ أو مشربٍ أو لبسٍ فقد قصر علمه وحضر عذابه".
يا أيُّها الظالم في فعله***والظّلم مردودٌ على من ظلمٍ إلى متى وحتَّى متى تشكو***المصيبات وتنسى النِّعم
رجلٌ من الصَّالحين اسمه ابن السَّماك، دخل يوماً على هارون الرَّشيد، فقال هارون له: يا ابن السَّماك عظني، وكان قد أتى للرَّشيد بماءٍ ليشربه، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت لو حبست عنك تلك الشّربة بم كنت تفديها؟ قال: أفديها بنصف ملكي، فقال ابن السَّماك: أرأيت لو شربتها ثمَّ منعت من الخروج بم كنت تفديها؟ قال: أفديها بنصف ملكي الآخر، فقال له: "فما خير في ملكٍ لا يساوي شربةً ولا بولةً".
وإذا كان ابن السَّماك يريد أن يهون أمام الخليفة ملكه، فيأتي له بنعمةٍ يتمتع بها ولا يتلفت إلى قدرها، ويريه أنَّها أثمن وأغلى ممَّا عنده من مالٍ وجاهٍ وصولةٍ وجولةٍ، فنحن ننظر إليها فنرى أن ما يفتديه الملوك بمالهم وجاههم وسلطانهم نحصل عليه دون معاناةٍ، ونناله من غير جهدٍ، وإذا شكَّ أحدٌ في ذلك فإنَّنا نقول له: اذهب إلى المستشفيات وانظر إلى ما يعانيه نزلاؤها ممَّا عافاك الله منه، فنحن نأكل ونشرب صباحًا ومساءً، وندخل إلى الخلاء ونخرج، ونأتي ونذهب وقد لا نلتفت إلى أنَّ هذه كلُّها نعمٌ كبرى أنعم الله بها علينا.
فهل نذكر هذا الفضل؟ وهل نقدر هذه النِّعمة؟ وهل نشكر الله عليها؟ إنَّ الله -تعالى- سخَّر لنا الأرض والسَّماء والشَّمس والقمر والبحر والنَّهر، كذلك لخدمة الإنسان وتلبية حاجاته، اسمع إلى هذا التَّذكير القرآني الكريم {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 32-34].
فلا تظنُّ أخي المسلم أنَّ رأس مالك هو ما جمعت من ذهبٍ وفضةٍ وأموالٍ وعقاراتٍ وسياراتٍ وشركاتٍ، كلا: إنَّ رأس مالك الحقيقي هو هذه الخلقة السَّويَّة، وهذه العافية الَّتي حرمها كثيرٌ من النَّاس.
وانظروا إلى أغنى الأغنياء من النَّاس كما بيَّنه لنا النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فقد روى ابن ماجه والتِّرمذي وحسَّنه عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه وكانت له صحبةٌ قال قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنَّما حيزت له الدُّنيا» [رواه التِّرمذي 2346 وابن ماجه 3357 وحسَّنه الألباني]. الدُّنيا كلها تكون ملكًا لك حينما يكون عندك هذا القدر من متطلباتك.
ليس هذه فحسب بل إنَّ صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كانوا يربُّون النَّاس على القناعة وعلى تقدير ما لديهم من خيراتٍ قد يغفلون عنها وينسونها، روى مسلم عن أبي عبد الرَّحمن الحبلي قال: "سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجلٌ فقال: ألسنا من فقرائ المهاجرين ؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوى إليها؟ قال: نعم، قال: "ألك مسكنٌ تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإنَّ لي خادمًا، قال: فأنت من الملوك". أظنُّ أنَّنا بذلك المقياس ملوكٌ متوجون بنعم الله -تعالى-.
والحمد لله نعيش في بلد أمنٍ وخيراتٍ عظيمةٍ، فهل نلتفت إلى ذلك؟ وهل نشكر الله عليها؟ إنَّ شكر الله على ما أعطانا من نعمٍ يكون باستعمالها فيما يرضى الله وفي طاعته، وإن كفرها أن تستعمل في المعاصي والفواحش والمنكرات.
إذا كنت في نعمةٍ فارعها***فإنَّ المعاصي تزيل النِّعم وحطها بطاعةِ ربِّ العباد***فربِّ العباد سريع النِّقم
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشَّاكرين الذَّاكرين.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
كتبه/ أبو أحمد محمَّد إبراهيم شلبي شومان إدارة مساجد محافظة الجهراء المراقبة الثَّقافيَّة __________________ | |
|