أمجد Admin
عدد المساهمات : 23015 تاريخ التسجيل : 03/11/2010 العمر : 34
| موضوع: من صلى البردين دخل الجنة الأحد أبريل 29, 2012 6:18 am | |
| الحمد لله القائل: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النّساء: 103]، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله القائل: «من صلى البردين دخل الجنّة» [رواه البخاري 574 ومسلم 635] صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
- فما من يوم يمضي إلا وتنطوي صحائفه بما سُطِر فيه من خيرٍ أو شرٍّ وما من يوم تغيب شمسه إلا ويذهب ولن يعود إلى يوم القيامة، فيا ليت شعري ما الّذي سطرناه في تلك الصّحائف؟
وبأيّ شيءٍ ارتحلت عنا تلك الأيام؟ وسنواجه كل ذلك في كتابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، ولكن العتبى أن نقول: "ما مضى فات والمؤمل غيب، ولك السّاعة الّتي أنت فيها".
مضى أمسك الماضي شهيدًا معدلًا***وأعقبه يومٌ عليك جديدُ فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً***فثن بإحسانٍ وأنت حميدُ فيومُك إن أعتبته عاد نفعهُ***عليك وماضي الأمس ليس يعودُ ولا ترجَ فعل الخير يومًا إلى غدٍ***لعل غدًا يأتي وأنت فقيدُ
- فكم قطع التّسويف على كلّ ذي أملٍ أمله وعلى كل مريدٍ للعمل عمله، حتى هاجمه هادم اللذات بغتةً فذهبت نفسه تلك فلتة.
خسارةٌ عظمى
إن من أعظم الخسران أن يفرَّط العبد في الفرائض الّتي افترضها الله عليه، ويُضيّع حق الله الّذي عاهده عليه، وبأيّ شيءٍ يُسمى العبد عبد الله إن ضيّعها؟! وكيف يتشرف العبد بمسمى العبودية لله إن لم يُقمها؟! وإن ممّا فرّط فيه كثير من النّاس اليوم صلاتي الفجر والعصر اللتين قال فيهما النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: «من صلى البردين دخل الجنّة» [متفق عليه].
- قال بعض العلماء: البردان هما الفجر والعصر. سُميا بذلك؛ لأنهما يفعلان في بردي النّهار وهما طرفاه، والتّفريط الحاصل من النّاس في هاتين الصّلاتين كون صلاة الفجر تكون في وقت انغماس المرء في النّوم خاصةً إن كان عقب سهرٍ، وصلاة العصر كونها عقب نوم على أثر مشقة العمل بالنّهار، ولذا ابتلى الله تعالى عباده بالصّلاة في هذين الوقتين؛ ليعلم من يخافه بالغيب، وجعل النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- من أسباب دخول الجنّة تحقق هذا الشّرط في قوله: «من صلى البردين» فهذا فعل الشّرط وجوابه: «دخل الجنّة» وذلك ترغيبًا في عدم التّفريط في هاتين الصّلاتين وتحذيرًا من التّهاون فيهما، ولذا فإن العبد المؤمن إذا تذّكر هذا الموعود العظيم هانت عليه راحة نفسه، وتلاشت مشقة القيام بين يدي ربّه، إذ أن الثّمن هو الجنّة فهل تأمّل هذا من ينامون عن الفجر حتى تطلع الشّمس، ومن ينامون عن العصر حتى تغرب الشّمس، وقد أخبر -صلّى الله عليه وسلم- أن صلاة الفجر أثقل الصّلاة على المنافقين، وثبت في الصّحيحين أنّه -صلّى الله عليه وسلم- قال: «تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشّمس. حتى إذا كانت بين قرني الشّيطان. قام فنقرها أربعًا. لا يذكر الله فيها إلا قليلًا» [رواه مسلم 622] يعني صلاة العصر.
الملائكة تشهد!
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- قال: «يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل وملائكة بالنّهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الّذين باتوا فيكم، فيسألهم، وهو أعلم بكم، فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» [متفق عليه]، وهذا هو معنى قوله -تعالى-: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-.
- فما حجتك يا عبد الله إن شهدت الملائكة فلم تشهدك، وإن استشهدت فلم تشهد لك، وإن رُفعت أعمالك فلم يوجد فيها هاتان الصّلاتان أو إحداهما، فحينئذٍ برئت ذمة الله منك، ويوشك أن يطلبنك الله بشيء من ذمته، فن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: «من صلى صلاة الصّبح فهو في ذمّة الله. فلا يطلبنكم الله من ذمّته بشيءٍ. فإنّه من يطلبه من ذمّته بشيءٍ يدركه. ثم يكبّه على وجهه في نار جهنّم» [رواه مسلم 657].
رؤية وجه الرّبّ -جلّ وعلا-
رؤية وجه الرّب -جلّ وعلا- في الآخرة تُرجى بالمحافظة على الفجر والعصر، فعن جرير -رضي الله عنه- قال: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى القمر ليلة -يعني البدر- فقال: «إنكم سترون ربّكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها فافعلوا. ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]» [رواه البخاري 554].
- قال الحافظ في الفتح: ".... قال المهلب: "فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة" أي في الجماعة. قال: "وخصّ هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما ورفع أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم. قلت: "يعني رؤية الله -تعالى-".
- وقال الخطابي في قوله: "فافعلوا" هذا يدل على أنّ الرّؤية قد يُرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصّلاتين. أ. هـ.
- فانظر -رحمك الله- إلى مكانة هذا النّعيم من نفسك، أعظم نعيم لأهل الجنّة وهو رؤية الجبار -جلّ وعلا-، فوا عجبًا لمن يؤثر الوسادة على العبادة، ويقدّم سخط الله على أسباب النّظر إلى وجه الله، استبدل الّذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ واتبع لذّة تزول بحسرةٍ لا تزول.
- وفي مقام التّرهيب من التّهاون في صلاة العصر ثبت في الصّحيحين من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- يقول: «الّذي تفوته صلاة العصر، كأنّما وتر أهله وماله» [متفق عليه]، قال بعض العلماء: الموتور: من أُخذ أهله وماله وهو ينظر إليه، فوقع التّشبيه بذلك لمن فاتته الصّلاة؛ لأنّه يجتمع عليه غمّان: غمّ الإثم وغمّ فقد الثّواب، كما يجتمع على الموتور غمّان: غمّ السّلب، وغم الطّلب بالثّأر.
-وجاء عند البخاري من حديث بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» [رواه البخاري 553] وصلاة العصر هو الصّلاة الّتي جاء التّأكيد على المحافظة عليها في كتاب الله -عزّ وجلّ- في قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
- وفي مقام التّرغيب في المحافظة على هاتين الصّلاتين: فإنّه ثبت عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- أنّه قال: «لن يلج النّار أحد صلى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها يعني الفجر والعصر» [رواه مسلم 634]. والمعنى: من حافظ على هاتين الصّلاتين مع بقية الصّلوات عُصم من النّار -بإذن الله-، وإنّما خصّهما بالرّسول -صلّى الله عليه وسلم- بالذّكر في هذا الحديث تأكيدًا على أهميتهما؛ لأنهما تقعان في وقت خلود النّاس للرّاحة.
وعن عثمان -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- يقول: «من صلى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف الليل. ومن صلى الصبح في جماعة فكأنّما صلى الليل كلّه» [أخرجه مسلم 656].
- فالمغبون حقًّا الّذي يبيع الجنّة بثمنٍ بخسٍ هو نومه عن الصّلاة، آثر راحة الجسد وأهمل راحة الرّوح، إذ الرّوح المؤمنة لا تأنس إلا بالطّاعة، ولكن إن طغت راحة الجسد على راحة الرّوح ظلّت تلك الرّوح مُعذبةٌ في داخل ذلك الجسد حتى تخرج منه كلية بالموت، أو تتغلب عليه فيتبعها الجسد بعد أن كانت هي تتبعه، ولا يكون هذا إلا بإرادةٍ وتضحيةٍ.
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته***أفنيت عمرك فيما فيه خسران أقبل على الرّوح واستكمل فضائلها***فأنت بالرّوح لا بالجسم إنسان
حسرةٌ وألمٌ
إنّه لمن الحسرة والألم ما يُرى من كثير من المسلمين حين يحضر موعد الذّهاب إلى الأعمال أو المدارس، يملئون الشّوارع بل ويتسابقون على من يحضر قبل إقفال سجلات الحضور خَشيةَ أن يلحق أحدًا منهم خصمٌ من الرّاتب، أو لفت نظر يُرفق بملفه، أو غضبه يغضبها عليه مديره، كل هذا له اعتبار عند كثيرٍ من المتخلفين عن صلاة الفجر ولم يعتبر هؤلاء بغضبة جبّار السّماوات والأرض حين فرّطوا فيما خُلقوا من أجله، ولم يعتبر هؤلاء بانتقاص موازينهم من الحسنات واقترافهم للسّيئات حتى طُبع على قلوبهم، وأُغشيت أبصارهم عن الحق، فأصبح المال عند أحدهم أعزّ من الحسنات، وأصبح رضا المدير أهم من رضا ربّ المدير.
- أليس يا إخواني من الحسرة والألم أن يوجد هذا في أوساط المسلمين؟!
- لقد سُئِل أحد رؤوس الصّهاينة فقيل له: إن المسلمين يزعمون أنّه سيكون بينهم وبين اليهود معركة فاصلة ينتصر فيها المسلمون على اليهود. فقال: نعم؛ هذا صحيح ولكن ليس الآن، وإنما إذا أصبح عدد المصلين في صلاة الفجر كما هم في الجمعة، فتأمل -يا رعاك الله- كيف فطن هذا العدو إلى نقطة الضّعف عند المسلمين، وأدرك أنّ تهاونهم عن صلاتهم هو أحد الأسرار في خذلانهم أمّا أعدائهم وضعفهم بالرّغم من كثرتهم، ولقد صدق والله وهو كذوب، فإنّ من عجز أن ينتصر على شيطان نومه فهل سينتصر على شيطان يثبطه عن جهاد عدوه؟! كلا والله!
- أرأيت يا عبد الله كيف عرف العدو نفسك ولم تعرفها أنت؟! فاتق لله يا أخي واشهد الصّلاة مع إخوانك، فإن لم تُجب فاعلم أن الأمر واحدٌ من اثنين: -إما أن يفجأك الموت وأنت على حالك هذه. فتلقى الله وهو عليك غضبان، وكم والله من واحد داهمته المنية وهو مُعرِض عن الصّلاة إما بتركها أو تأخيرها عن وقتها وقد نُقل من الأخبار عن أحوال هؤلاء عند الموت ما تشيب له الولدان، وتقشعر منه الأبدان، ومن أراد الوقوف على هذه الأخبار فليلتمسها في مظانها عند مغسلي الأموات.
- وإما أن تبقى على حالك تعيش بين النّاس لكنّك في الحقيقة في عداد الأموات، لا ميّت البدن ولكن ميّت القلب، إذا ذكر النّاس لم يذكروك، وإذا استشهد النّاس لم يستشهدوك، وإذا غبت لم يفتقدوك، وإذا أُصبت لم يعزوك. لقد أضفى عليك غضب الله غضب عباده، فإلى متى هذا الحرمان؟! ومتى ينجلي عنك هذا الخذلان؟!
إنّها دعوةٌ
فأقبل يا أيّها العبد الآبق فالأبواب لا زالت مشرعة، والتّوبة مشروعة، وإيّاك والإعراض فإنّه أدوي الأمراض، تبّ إلى مولاك تكن من أحبائه {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
يبسط يده بالليل لتتوب من إساءة النّهار، ويبسط يده بالنّهار لتتوب من إساءة الليل، فسبحانه من قبل بحلمه توبة التّائبين، وأضفي بستره على عورات المنكشفين، يغفر الذّنوب والزّلات، ويُقيل الخطايا والعثرات، يجازي على الإساءة بالإحسان، ويبدّل سيئات التّائبين حسنات، ينادي بالتّوبة كل ليلةٍ فأين التّائبون؟ وينادي بالمسألة فأين السّائلون؟ وينادي بالمغفرة فأين المستغفرون؟ فتعرّض أيّها الحبيب لنفحات القريب المجيب، عسى أن تصيبك نسمات رحمته فتسعد سعادة لا شقاء بعدها.
- جعلني الله وإيّاك من أهل رضوانه، وجنبنا أسباب سخطه وعصيانه. وصلّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه.
محبكم في الخير سعيد بن أحمد القحطاني الرّياض 1422هـ دار الوطن __________________ | |
|