أمجد Admin
عدد المساهمات : 23015 تاريخ التسجيل : 03/11/2010 العمر : 34
| موضوع: وجوب بر الوالدين الأحد أبريل 29, 2012 6:19 am | |
| بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وبعد:
فيقول الله -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24]. - الوالدان، وما أدراك ما الوالدان...
- الوالدان: الَّلذان هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان... الوالد بالإنفاق، والوالدة بالولادة والإشفاق.
- فللّه -سبحانه- نعمة الخلق والإيجاد، وجعل للوالدين نعمة التَّربية والإيلاد.
- يقول حبر الأمَّة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "ثلاث آيات مقرونات بثلاثٍ، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها: 1- {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [التَّغابن: 12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرَّسول لم يُقبل منه. 2- {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، فمن صلَّى ولم يُزكِّ لم يُقبل منه. 3- {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يُقبل منه".
- ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرِّهما والإحسان إليهما، والتَّحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما بأيِّ أسلوبٍ كان، قول الله -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النِّساء: 36]. وقوله -سبحانه-: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]. وقوله -جلَّ وعلا-: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
- فوضَّحت هذه الآيات ما للوالدين من جميلٍ عظيمٍ وفضلٍ كبيرٍ على أولادهما، خاصَّةً الأم، الَّتي قاست الصِّعاب والمكاره بسبب المشقَّة والتَّعب من وحامٍ وغثيانٍ وثقلٍ وكربٍ، إلى غير ذلك مما ينال الحوامل من التَّعب والمشقَّة، وأمَّا الوضع: فذلك إشراف على الموت، لا يعلم شدَّته إلا من قاساه من الأمَّهات.
- وفي سُنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- جاء التَّأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والتَّرغيب فيه، والتَّرهيب من عقوقهما.
- ومن ذلك: ما صحَّ عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: «رضا الرَّبِّ في رضا الوالد وسخط الرَّبِّ في سخط الوالد» [رواه التّرمذي 1899 حسَّنه الألباني].
- وروى أهل السُّنن إلا التِّرمذي بسندٍ صحيحٍ عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: جئتُ أبايعك على الهجرة، وتركتُ أبويَّ يبكيان، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما» [رواه النَّسائي 4174 وأبو داود 2528 وابن ماجه 2260 وصحَّحه الألباني].
- وروى الإمام أحمد في المسند وابن ماجه -واللفظ له- عن معاوية بن جاهمة السُّلَمي أنَّه استأذن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبَرَ أُمَّه، ولمَّا كرر عليه، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ويحك الزم رجلها فثمَّ الجنَّة» [رواه ابن ماجه 2259 وصحَّحه الألباني].
- وفي الصَّحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا رسول الله، من أحق النَّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثمَّ من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثمَّ من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثمَّ من؟ قال: «ثمَّ أبوك» [متفقٌ عليه]. وهذا الحديث مقتضاه أن يكون للأمِّ ثلاثة أمثال ما للأب من البرِّ، وذلك لصعوبة الحمل ثمَّ الوضع ثمَّ الرَّضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثمَّ تشارك الأب في التَّربية، وجاءت الإشارة إلى هذا في قوله -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
- وصحَّ عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: «ثلاثة لا ينظر الله -عزَّ وجلَّ- إليهم يوم القيامة؛ العاقُّ لوالديه، والمرأة المترجلة، والدّيوث، وثلاثة لا يدخلون الجنَّة؛ العاقُّ لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنَّان بما أعطى» [رواه النَّسائي 2561 وقال الألباني: حسن صحيح].
- وروى الإمام أحمد بسندٍ حسنٍ عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلماتٍ قال: «لا تشرك بالله شيئًا وإن قتلت وحرقت، ولاتعقَّن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك...» إلى آخر الحديث [رواه الألباني 570 في صحيح التَّرغيب وقال: حسنٌ لغيره].
- وكما أنَّ بِرَّ الوالدين هو هديُ نبيِّنا محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فهو كذلك هدي الأنبياء قبله قولًا وفعلًا، وقد سبق بيانُ هدي نبيِّنا محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في ذلك من قولِه، أمَّا من فعله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: فإنه لما مَرَّ على قبر والدته آمنة بنت وهب بالأبواء حيث دُفِنت -وهو مكان بين مكة والمدينة- ومعه أصحابه وجيشه وعددهم ألف فارس، وذلك عام الحديبية، فتوقف وذهب يزور قبر أمه، فبكى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم بأبي هو وأمي- وأبكى من حوله، وقال: «استأذنت ربِّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنَّها تذكر الموت» [رواه البغوي في شرح السُّنَّة، وأصله في صحيح مسلم 976].
- وهذا إبراهيم خليل الرَّحمن أبو الأنبياء وإمام الحنفاء -عليه السَّلام- يخاطب أباه بالرِّفق واللطف واللين مع أنَّه كان كافرًا إذ قال: {يَا أَبَتِ} [مريم: 42] وهو يدعوه لعبادة الله وحده، وترك الشِّرك، ولمَّا أعرض أبوه وهدد إبراهيم بالضَّرب والطَّرد، لم يزد على قوله: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47].
- وأثنى الله على يحيى بن زكريا -عليهما السَّلام- فقال -تعالى-: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم: 14].
- إلى غير ذلك من أقوال النَّبيِّين -عليهم السَّلام- التي سجَّلها كتاب الله -تعالى-.
- وهكذا كان السَّلف الصَّالح من هذه الأمَّة أحرص النَّاس على البرِّ بوالديهم.
- ومن ذلك: أنَّ أبا هريرة -رضي الله عنه- كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: "السَّلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته"، فتقول: "وعليك السَّلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته"، فيقول: "رحمكِ الله كما ربيتني صغيرًا"، فتقول: "رحمكَ الله كما بررتني كبيرًا".
- أمَّا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء، فلمَّا جاء وجدها نائمةً، فوقف بالماء عند رأسها حتَّى الصَّباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.
- وها هو ابنُ الحسن التَّميمي -رحمه الله- يهمُّ بقتل عقرب، فلم يدركها حتَّى دخلت في جحر في المنزل، فأدخل يده خلفها وسدَّ الجحر بأصابعه، فلدغته، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: "خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي فتلدغها".
- أمَّا ابن عون المزني فقد نادته أمه يومًا فأجابها وقد علا صوتُه صوتَها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.
- ولبر السلف صور عديدة، ومواقف كثيرة يطول ذكرها، والمقصود الإشارة إلى نماذج من برِّهم.
- ولو نظرنا في أحوالنا لوجدنا التَّقصير الشَّديد في برِّ آبائنا وأمهاتنا، ولربما وقع من البعض العقوق، نسأل الله العفو والسَّلامة.
- وعقوق الوالدين له صورٌ عديدةٌ ومظاهر كثيرةٌ قد تخفى على بعض النَّاس، ومن ذلك: أن يترفَّع الابن عن والديه ويتكبر عليهما لسببٍ من الأسباب، كأن يكثر ماله، أو يرتفع مستواه التَّعليمي أوِ الاجتماعي ونحو ذلك.
- ومن العقوق: أن يدعهما من غير معيلٍ لهما، فيدعهما يتكففان النَّاس ويسألانهم. - ومن العقوق: أن يقدم غيرهما عليهما، كأن يقدم صديقه أو زوجته أو حتَّى نفسه. - ومن العقوق: أن يناديهما باسمهما مجردًا إذا أشعر ذلك بالتَّنقص لهما وعدم احترامهما وتوقيرهما. وغير ذلك.
- قد يتجاهل بعض النَّاس فضل والديه عليه، ويتشاغل عما يجب عليه نحوهما، ألا يعلم ذلك العاقّ أو تلك العاقَّة أنَّ إحسان الوالدين عظيمٌ وفضلهما سابقٌ، ولا يتنكر له إلا جحودُ ظلومٍ غاشمٍ، قد غُلقت في وجهه أبواب التَّوفيق، ولو حاز الدُّنيا بحذافيرها؟!
- فالأمُّ الَّتي حملت وليدها في أحشائها تسعة أشهر، مشقَّة من بعد مشقَّةٍ... لا يزيدها نموه إلا ثقلًا وضعفًا، ووضعته كرهًا وقد أشرفت على الموت، فإذا بها تعلّق آمالها على هذا الطِّفل الوليد، رأت فيه بهجةَ الحياة وزينتها، وزادها بالدُّنيا حرصًا وتعلُّقًا، ثمَّ شغلت بخدمته ليلها ونهارها، تغذيه بصحَّتها، وتريحه بتعبها، طعامُه دَرُّها، وبيته حِجرها، ومركبه يداها وصدرها، تحوطه وترعاه، تجوع ليشبع، وتسهر لينام، فهي به رحيمةٌ، وعليه شفيقةٌ، إذا غابت دعاها، وإذا أعرضت عنه ناجاها، وإن أصابه مكروه استغاث بها، يحسب أنَّ كلَّ الخير عندها، وأنَّ الشَّرَّ لا يصل إليه إذا ضمّته إلى صدرها أو لحظَتْه بعينها. أفبعد هذا يكون جزاؤها العقوق والإعراض؟! اللهم عفوًا ورُحمًا.
- أمَّا الأب... فالابنُ له مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَة... يَكَدُّ ويسعى، ويدفع صنوف الأذى بحثًا عن لقمة العيش لينفق عليه ويربيه، إذا دخل عليه هشّ، وإذا اقبل إليه بشّ، وإذا حضر تعلق به، وإذا أقبل عليه احتضن حجره وصدره، يخوف كلّ النَّاس بأبيه، ويعدهم بفعل أبيه. أفبعد هذا يكون جزاء الأب التَّنكر والصَّدود؟ نعوذ بالله من الخذلان.
- إنَّ الإحباط كلّ الإحباط أن يُفاجأ الوالدان بالتَّنكر للجميل، وقد كانا يتطلعان للإحسان، ويؤملان الصِّلة بالمعروف، فإذا بهذا الولد –ذكرًا وأنثى- يتخاذل ويتناسى ضعفه وطفولته، ويعجب بشأنه وفتوته، ويغره تعليمه وثقافته، ويترفع بجاهه ومرتبته، يؤذيهما بالتَّأفف والتَّبرم، ويجاهرهما بالسُّوء وفحش القول، يقهرهما وينهرهما، يريدان حياته ويريد موتهما، كأنِّي بهما وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين، تئن لحالهما الفضيلة، وتبكي من أجلهما المروءة.
- فليحذر كلّ عاقلٍ من التَّقصير في حقِّ والديه، فإن عاقبة ذلك وخيمة، ولينشط في برهما فإنَّهما عن قريبٍ راحلين وحينئذ يعض أصابع النَّدم، ولات ساعة مندم. أجل، إنَّ برَّ الوالدين من شيم النُّفوس الكريمة والخلال الجميلة، ولو لم تأمر به الشَّريعة لكان مِدْحَةً بين النَّاس لجليل قدره، كيف وهو علاوة على ذلك تُكفَّـر به السَّيِّئات، وتجاب الدَّعوات عند ربِّ البريَّات، وبه تنشرح الصُّدور وتطيب الحياة ويبقى الذِّكر الحسن بعد الممات.
اللهمَّ اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارًا، واجزهم عنا خير ما جزيت به عبادك الصَّالحين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه.
إعداد/ خالد بن عبد الرَّحمن الشَّايع مدار الوطن للنَّشر | |
|