أمجد Admin
عدد المساهمات : 23015 تاريخ التسجيل : 03/11/2010 العمر : 34
| موضوع: التقليد الأعمى الأحد أبريل 29, 2012 9:08 am | |
| الحمد لله وحده والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، أمَّا بعد...
فقد انتشرت ظاهرة التَّشبه بغير المسلمين بشكلٍ كبيرٍ في أوساط الشَّباب والفتيات، حتى أصبح هذا الأمر المحرَّم شيئًا مألوفًا عند كثيرٍ من النَّاس.
فهذا يلبس السَّلاسل الذَّهبية والقلائد في عنقه، والأساور في يديه..
وهذا يلبس القبعات الغربيَّة ويسير في الشَّارع بالشُّورت القصير دون خجلٍ أو حياءٍ!
وهذا يلبس الفنانيل الّتي عليها صور المشاهير من اللاعبين والمغنين والممثلين...
وهذا يقصُّ شعره على مثال القصَّات الغربيَّة وفيها من المخالفات الشَّرعيَّة ما فيها...
وهذه الفتاة تجيد فنون الرَّقص الغربيّ على أنغام الدِّيسكو أوِ الرُّوك وما شابه..
وهذه تلبس البنطال الضَّيق الّذي يفصِّل أدق شيءٍ في جسدها..
وهذه تتعرى وتلبس الملابس المكشوفة الفاضحة..
وهذه تتشبه بالرِّجال، في مشيتها وحركاتها وكلامها ومزاحها وتعمد إلى شعرها فتقصُّه (قصَّة الولد) حتَّى أنَّ الرَّائي لا يستطيع أن يفرق بينها وبين الشَّابِّ إلا بعد عناءٍ!
وهذه تتعمد إدخال الكلمات الإنجليزيَّة أو الفرنسيَّة في حديثها، مع التَّفاخر بذلك ودون الحاجة إلى استعمال مثل هذه الكلمات..
ولم يقتصر الامر على التَّشبه الظَّاهر، بل وصل الأمر إلى التَّشبه في الأهداف والاهتمامات، والتَّصور الكامل للحياة، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ، لأنَّ التَّشبه في الظَّاهر يجرُّ إلى التَّشبه التَّامِّ الّذي يشمل الظَّاهر والباطن كما قرر أهل العلم.
التَّشبه في الكتاب والسُّنَّة
لقد حذَّر القرآن الكريم منَ التَّشبه بالكفار، ونهى عن اتباع غير سبيل المؤمنين، وبيَّن أنَّ عاقبة ذلك هي الهلاك والخسران. قال -تعالى-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]. وقال -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النِّساء: 115].
وقال النّبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعً، حتَّى لو دخلوا جحر ضبٍّ تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنَّصارى؟ قال: فمن» [رواه البخاري 7320].
ولكن ما جزاء ذلك؟
قال النّبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «من تشبه بقومٍ؛ فهو منهم» [رواه أبو داود 4031 وقال الألباني: حسنٌ صحيحٌ]. وهذا؛ لأنَّ التَّشبه يدلُّ على الميل والإعجاب، والمحبَّة والتَّعظيم، فناسب أن يكون المتشبه من جنس هؤلاء الّذين يتشبه بهم.
وقال النّبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «ليس منَّا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنَّصارى» [رواه التِّرمذي 2695 وحسَّنه الألباني].
وتأمل أخي الحبيب: في قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: «ليس منَّا» ليس من المؤمنين الصَّادقين، الّذين يعتزون بدينهم وتشرفون بالانتساب إليه... فهل ترضى أخي أن تكون كذلك؟
هل ترضي أختاه أن تكوني كذلك؟
هل تريد أن تحشر مع المغضوب عليهم والضَّالِّين؟
هل تريد أن تهلك كما هلكوا؟ وتسقط في بشر الحسرات كما سقطوا؟
وهل يريد عاقلٌ ذلك؟ إذًا فلماذا تسلك الطَّريق المؤدية إلى تلك العاقبة.
قال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «لعن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المتشبهين من الرِّجال بالنِّساء، والمتشبهات من النِّساء بالرِّجال» [رواه البخاري 5885]. ومع هذه اللعنة نجد من تشبه ولا يبالي بتلك اللعنة وكأنَّ الأمر لا يعنيه!
لماذا نتشبه بهم؟
إنَّ التَّشبه دليلٌ على ضعف الشَّخصية، والشُّعور بالدُّونيَّة، وفقدان الثِّقة بالنَّفس.
إنَّ التَّشبه سببٌ لضياع الهويَّة، وانحراف المفاهيم الشَّرعيَّة، وهو مسخٌ للشَّخصيَّة الإسلاميَّة، وقد يكون بداية للكفر والإلحاد والعياذ بالله.
إنَّ من الغريب المستهجن أن يتشبه الأعلى بالأدنى، وأن يسير الفاضل صاحب القيم على خطى من لا قيم له، وأن يقلد الأخيار شرار الخلق وفجَّارهم..
وأنتم -أيُها الشَّباب، أيَّتُها الفتيات- الأعلون بفضل الله ... أنتم الأخيار أصحاب القيم والمبادئ السَّامية، الّتي يحسدكم الشَّرق والغرب عليها.
قال -تعالى-: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]. وقال -تعالى-: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]. وقال -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. فلماذا نشعر بالذُّلِّ والقهر والهوان، ونرضى لأنفسنا أن نكون نسخًا مكرورةً مشوَّهةً لقومٍ رضوا بالحياة الدُّنيا واطمأنوا بها وسعوا لها سعيها؟
التَّقليد الأعمى!
يقول البعض: ولكنهم متقدمون ونحن متأخرون فلماذا لا نقلدهم حتَّى نكون متقدمين مثلهم؟
الجواب: إنّنا نقلدهم فيما يفعلونه في أوقات فراغهم ولهوهم لا في أوقات عملهم وجدِّهم!
إنَّنا نقلدهم في فسقهم ومجونهم لا في كشفهم وبحثهم واختراعهم.
إنَّنا نقلدهم في ساعات ضعفهم وانهزامهم أمام الشَّهوات، لا في ساعات صبرهم وقوتهم وإعمال فكرهم في البحث والنَّظر والتَّأمل!
وأنّي لنا أن نصل إلى التَّقدم المنشود، والنَّهضة المرجوَّة، والمدنيَّة الزَّاهرة إذا كان هذا دأبنا للوصل على ما وصل غليه هؤلاء من قوَّةٍ وتمكينٍ.
بل سيزيدنا هذا ضعفًا وتخلفًا وفقرًا وانهيارًا وانحسارًا.
هل سمعتم -أيُّها السَّادة- أنَّ الرَّقص والغناء قاد أمَّةً إلى التَّقدم؟
أم هل سمعتم أنَّ تخنث الشَّباب وترجُّل الفتيات، والجري وراء الشَّهوات يعتبر مقدمةً للرقي؟
أم هل سمعتم أنَّ التخلي عن الفضائل والآداب، والتَّنكر للقيم والأخلاق هو البداية لوصول الأمَّة إلى عصر العلم والتَّكنولوجيا؟
هل جاء أحد بمكتشفٍ جديدٍ ينفع به الأمة وقلنا له: لا تفعل فإنَّ هذا تشبهٌ مذمومٌ؟
هل فكَّ أحدٌ لغز مكتشفٍ قديمٍ وقنا له: دعك مما أنت فيه؟
طريق النَّهضة المنشودة
إنَّنا ندعو أجيالنا إلى الجيد والحرص على نهضة هذه الأمَّة، وسلوك كلّ السُّبل الّتي تؤدي إلى ذلك، مع الحفاظ على هويِّتنا الإسلاميَّة وقيمنا الخالدة.
إنَّ العلوم والمعارف والمخترعات والمكتشفات ليست حكرًا على قومٍ دون قومٍ، ولذلك فإنَّ اقتباسنا للعلوم والتُّكنولوجيا، وتقدمنا في جميع المجالات العلمية، لا يعدُّ تشبها بالغير؛ بل هو حقٌّ من حقوقنا، وواجبٌ من الواجبات الّتي كلف الله الأمَّة بها، فالأمَّة مطالبة بالبلاغ ، ولكي تتمكن من البلاغ فلابد أن تكون ذات بأسٍ وقوَّةٍ ومكانةٍ بين الأمم، ولذلك قال -تعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. وهذه القوة ليست للاعتداء؛ لأنَّ ديننا يمنع الاعتداء ويحرم الغدر والبغي؛ بل إنَّ هذه القوَّة هي الّتي تمنع الحروب وتوقف العدوان، ولذلك لم تكن هناك حربٌ حقيقيَّةٌ بين أمريكا والاتحاد السُّوفيتي السَّابق في فترة ما يسمى بالحرب الباردة، وذلك لتوازن القوة بين الطَّرفين.
لقد قال النّبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «إنَّ الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنَّ أمَّتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها» [رواه مسلم 2889].
فكيف سيبلغ ملك هذه الأمَّة مشارق الأرض ومغاربها؟
هل سيبلغ ذلك بالفص والغناء وتخنث الشَّباب وترجُّل الفتيات؟
هل سيبلغ ذلك بتضييع الأوقات وارتكاب المنكرات والسَّهر على المحرمات؟
لن نبلغ هذه المكانة إلا بالتَّمسك بهذا الدِّين الّذي يأمرنا بالجدِّية والعلم والمعرفة والاستعانة بأسباب التَّقدم في كافَّة المجالات..
لقد كنَّا سادة الدُّنيا قرونًا طويلةً من الزَّمان، وما تجاه أوروبا إلى العلم والنَّظر والبحث والاختراع إلا نتيجة احتكاكها بالحضارة الإسلاميَّة، فاستيقظوا بعد نومٍ، وانتبهوا بعد رقادٍ، فأخذوا ينهلون من معين الحضارة الإسلاميَّة الّذي لا ينضب وكنَّا في غاية الكرم معهم، فلم نبخل عليهم بشيءٍ من علومنا وثقافتنا وبحثونا، حتَّى نقلوا كلَّ شيءٍ عن حضارتنا.
أمَّا هم فينكرون لنا فضل السَّبق، ويقابلون الإحسان بالجحود، ويعملون على تجهيلنا وإضعافنا بكلِّ الوسائل والطُّرق، حتَّى نظل سوقًا استهلاكية لمنتجاتهم.
أيُّها الشَّباب... أيَّتُها الفتيات!
إنَّكم أمل هذه الأمَّة، وإرهاص نهضتها، فلا تضيعوا هذا الأمل فتضيعوا، وتضيع معكم الأحلام والآمال... إنَّنا بحاجة إلى سواعدكم... على عقولكم... إلى حماسكم... إلى تفانيكم في خدمة دينكم ومجتمعاتكم وأمَّتكم..
فلنتجه سويًّا على العمل الجادِّ والبحث المتواصل، والتَّفكير الوقاد، والإبداع المثمر، بعد أن نتخلص من عقدة الضَّعف والانهزاميَّة والشُّعور بالدُّونيَّة والإحباط.
ولنتسلح بسلاح الإيمان واليقين والتَّوكل، ذاك السَّلاح الّذي أيقظ به محمَّدٌ -صلّى الله عليه وسلّم- شباب الصَّحابة الّذين حملوا راية الإسلام وفتحوا بها المشارق والمغارب، حتّى أصبح للمسلمين دولةً لا تغيب عنها الشَّمس.
ولن يصلح آخر هذه الأمَّة إلا بما صلح به أولها، فلنبدأ مسيرة العمل والبناء، ولنتخذ شباب الصَّحابة قدوةً لنا؛ نعمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، نرجو ثواب الله، ونترك معصية الله، على نورٍ من الله، نخشى عقاب الله، وهذه حقيقة التَّقوى والاستقامة.
إعداد القسم العلمي بمدار الوطن | |
|