أمجد Admin
عدد المساهمات : 23015 تاريخ التسجيل : 03/11/2010 العمر : 34
| موضوع: أهمية الركوع والسجود وفضيلتهما ووجوب مقاربتهما لطول القيام الإثنين أبريل 30, 2012 11:51 am | |
|
اقرأ هذا الموضوع بروية وتمعن وكرر قراءته للفهم والعمل
اقرأ قراءة من يريد الاستفادة مما يقرأ لا قراءة من يريد النقد
واحرص على أن تستفيد منه بما يستحقه من الأهمية العظمى
واحرص على أن تفيد به من حولك بالرفق والمحبة والإقناع
بسم الله وبحمده
أهمية الركوع والسجود وفضيلتهما ووجوب مقاربتهما لطول القيام
تفضيل الركوع والسجود ظاهرٌ في القرآن والسنة؛ قال الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام: {أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود} فعبّر عن الصلاة بالركوع والسجود لفضيلتهما، وقال لإبراهيم: {وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود} والقائمين، أي؛ المقيمين فيه أو العاكفين، كما في الآية السابقة، وقال سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {ومن الليل فاسجد له وسبّحه ليلاً طويلا} ووصف المؤمنين بقوله {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشّر المؤمنين} وقال {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون} وحتى عندما ذكر القيام -قيام الصلاة لا قيام الليل- بدأ بالسجود لفضيلته رغم أنّ القيام يسبق السجود في الصلاة فقال في وصف المتقين: {والذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقياما} وقال: {أم من هو قانتٌ آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنّما يتذكّر أولوا الألباب} وهذه الآية دليلٌ على أنّ القنوت ليس القيام، بل هو الطاعة والعبادة بسكون وخشوع وخضوع وتذلّل لله عزّ وجلّ، كما قال سبحانه: {وقوموا لله قانتين} خاشعين له {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا لله} خاضعًا له سبحانه {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} وعليه يجب أن نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصلاة طول القنوت} فصلاة ركعتين في ساعة أفضل من صلاة 10 ركعات في ذات الوقت، لأنّ كثرة الانتقالات تشتّت القلب وتضعف الخشوع، وطول السكون في السجود أقوى للخشوع فيه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم {إنّ العبد إذا قام يصلّي أتِي بذنوبه كلّها فوُضعت على رأسه وعاتقيه فكلّما ركع أو سجد تساقطت عنه} صحيح الجامع، فربَط مغفرة الذنوب في الصلاة بالركوع والسجود، فكم أضعنا على أنفسنا من المغفرة يا عباد الله؟ تنبّه يا أخي الكريم وتذكّر دائمًا أنك كلما ركعت وسجدت أكثر تساقطت عنك ذنوب أكثر.
وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله فقال: {عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلاّ رفعك الله بها درجة وحطّ عنك بها خطيئة} صحيح مسلم، وقدر تلك الدرجة وتلك الخطيئة بقدر تلك السجدة، والعبرة في كثرة السجود بمقداره لا بتكراراته، فسجدتين في نصف ساعة أكثر وأفضل من 10 سجدات في ربع ساعة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد فأكثروا الدعاء} صحيح مسلم، ومع علم الناس بهذا لا نكاد نرى أحدًا يحرص على إطالة هذا القرب من ربّه عزّ وجلّ! فهل ضعف إدراكهم لفضيلته وهان في قلوبهم؟ أمْ أنّ الله تعالى كره قربهم فأبعدهم بعد أن ابتعدوا عن هديه وتساهلوا في دِينه ولم يحرصوا على مرضاته وانغمسوا في دنياهم الفانية حتى نسوا وعده ووعيده؟. وقد جعَل الله لنا في كلّ ركعة سجدتين ليطول قرب المحبّين من حبيبهم الكريم الرحمن جلّ جلاله، فكم أضعنا على أنفسنا من الكرامة والقرب من ربّنا سبحانه؟.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته؛ لا يتمّ ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها} صحيح الجامع، فهذه الثلاثة هي أهمّ ما في الصلاة بعد ذكر الله تعالى، وهي الأقوى أثرًا في القلب والعقل والجسم، وهي أكثر ما ضُيّع في الصلاة، وبضياعها قلّ ذكر الله في الصلاة وضعف أثره، وتلك صلاة المنافق؛ {لا يذكر الله فيها إلاّ قليلا} صحيح مسلم {إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولَذِكْر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنَّ أحدكم إذا قام يصلِّي إنَّما يناجي ربّه فلْينظر كيف يناجيه} صحيح الجامع، فلْنتدبّر هذا يا معشر المصلّين ولْننظر في حالنا! ننقر الركوع والسجود نقر المتعجّل بتسبيحتين أو ثلاث!! فأيّ مناجاة هذه التي رضيناها مع الملك العظيم جلّ جلاله؟! ألا نستحي من الله عزّ وجلّ ونعرف له فضله ونقدره حقّ قدره؟! ثم كيف يستريح بالصلاة من يفعل ذلك؟! فوالله ما وجدنا الراحة بها وقرة العين فيها إلاّ بطول القنوت في الركوع والسجود مع إتقانهما لله عزّ وجلّ، قد شهد بذلك كلّ من وفقه الله لذلك، والله ذو الفضل العظيم.
وقد أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون الركوع والسجود قريبًا من القيام، فقال: {أعطُوا كلّ سورةٍ حظّها من الركوع والسجود} صحّحه الألباني والأرنؤوط، وكان فعله موافقًا لأمره هذا كما قال أنس رضي الله عنه: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة وكانت صلاة أبي بكر متقاربة) صحيح مسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {صلّوا كما رأيتموني أصلّى} صحيح البخاري {فلْيحذر الذين يُخالِفون عن أمره أنْ تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم} فلو قمت بسورة الفاتحة والإخلاص مثلاً بخشوع وتدبّر وترسّل كما كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يمدّ القراءة مدّاً ويقطّعها آية آية فستحتاج في القيام لدقيقة، فيجب ألاّ يقلّ الركوع والسجود عن نصف دقيقة لكلّ ركن، والاعتدال منهما ركنان أيضًا، فيلزم للركعتين ما لا يقلّ عن 7 دقائق، ومن عجز عن إطالة الركوع والسجود قريبًا من القيام فلْيخفّف القيام ليكون قريبًا من الركوع والسجود، ومن تعمّد مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلا عذر فقد عرّض نفسه للوعيد المذكور في الآية السابقة، والسعيد من اعتبر .
والمعاناة أو الإعاقة أو الألم أو العذاب المذكور في هذه الآية قد يأتي في الجانب الدنيوي كنتيجة للحرمان من الفوائد الصحّية والعقلية والنفسية العظيمة للركوع والسجود والتي أثبتت الدراسات بعضًا منها لمن أداهما كما يجب لا كما اعتاد هو وآباؤه وأجداده ومشائخه، ومنها ما ذكرته في موضوع (الصلاة والدورة الدموية الدماغية) في كتاب (المزيد من الفوائد الجامعة) mhmdahmd.malware-site.www ومنها أيضًا تفريغ القوَى المؤذية المتراكمة في الرأس من مصادر شتّى، وعلاج الاكتئاب والقلق والتوتر، وسلامة الظهر والصدر والركبتين وغيرها من المفاصل والعضلات والأربطة واحتفاظها بقوّتها وكفاءتها مع تقدّم السنّ، فالصلاة هي من أقوى وسائل تأخير مظاهر الشيخوخة.
وأكرّر التأكيد على أنّ ذلك لمن أتَمّ الركوع والسجود كما يجب؛ فاستقامة الظهر ركنٌ من أركان الصلاة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: {يا معشر المسلمين؛ لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود} وقال: {لا ينظر الله عزّ وجلّ إلى صلاة عبدٍ لا يقيم صلبه بين ركوعها وسجودها} صحَّحهما الألباني وغيره، وفي السجود كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي فخذيه عن ساقية ويجافي بطنه عن فخذيه ويجافي عضديه عن جنبيه حتى لو شاءت البهمة (من صغار الغنم) أن تمرّ من تحته لمرّت من شدة مجافاته، فيكون الفخذان والساعدان منتصبان وثقل الجسم عليهما، ولا يجافي المأموم عضديه فيؤذي جاره، فإن تعب فلْيضع مرفقيه على ركبتيه، فتعلّم الصلاة يا عبد الله وتدرّب عليها مرارًا حتى تتقنها لله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ينبغي أنه إذا طول القيام أن يطيل الركوع والسجود، وهذا هو طول القنوت الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا قيل له؛ أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: {طول القنوت} فإنّ القنوت هو إدامة العبادة سواء كان في حال القيام أو الركوع أو السجود كما قال تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء الليل ساجدًا وقائمًا...} فجعله قانتًا في حال السجود كما هو قانت في حال القيام وقدّم السجود على القيام... وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة؛ إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وإذا خفّف القيام خفّف الركوع والسجود، هكذا كان يفعل في المكتوبات وقيام الليل وصلاة الكسوف وغير ذلك... (مجموع الفتاوى). وقال في (اقتضاء الصراط المستقيم): ولهذا نقول في أصحّ القولين إنّّ ركوع صلاة الكسوف وسجودها يكون قريبًا من قيامها بقدر معظمه أكثر من النصف، ومن أصحابنا وغيرهم من قال إذا قرأ البقرة يسبّح في الركوع والسجود بقدر قراءة مائة آية وهو ضعيف مخالف للسنّة... قلت: وما ذكره الشيخ هو المعنى الظاهر للمقاربة لا فرق في ذلك بين صلاة الكسوف وقيام الليل والمكتوبات، ومن فرّق بينها بلا دليل أو صرف المعنى عن ظاهره بلا سبب فقوله مردود. وقال الشيخ: وروى مسلم في صحيحه من حديث جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمّه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة، فبيّن أنّ التخفيف الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم هو تخفيف القراءة وإن كان يقتضي ركوعًا وسجودًا يناسب القراءة، ولهذا قال: كانت صلاته متقاربة، أي يقرب بعضها من بعض... (اقتضاء الصراط المستقيم).
وقال ابن القيّم: والتخفيف الذي أشار إليه أنس هو تخفيف القيام مع تطويل الركوع والسجود كما جاء مصرّحًا به فيما رواه النسائي عن قتيبة عن العطاف بن خالد عن زيد بن أسلم قال: دخلنا على أنس بن مالك فقال: صلّيتم؟ قلنا: نعم، قال: يا جارية؛ هلمّي لنا وضوءًا، ما صلّيت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا، قال زيد: وكان عمر بن عبد العزيز يتمّ الركوع والسجود ويخفِّف القيام والقعود. وهذا حديث صحيح؛ فإنّ العطاف بن خالد المخزومي وثّقه ابن معين وقال أحمد: ثقة صحيح الحديث. وقد جاء هذا صريحًا في حديث عمران بن حصين لَمّا صلّى خلف عليٍّ بالبصرة قال: لقد ذكّرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة؛ كان يخفِّف القيام والقعود ويطيل الركوع والسجود، وقد تقدّم قول أنس: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة، وحديث البراء بن عازب: أنّ قيامه صلى الله عليه وسلم وركوعه وسجوده كان قريبًا من السواء. فهذه الأحاديث كلّها تدلّ على معنًى واحد؛ وهو أنّه كان يطيل الركوع والسجود ويخفِّف القيام، وهذا بخلاف ما كان يفعله بعض الأمراء الذين أنكر الصحابة صلاتهم من إطالة القيام على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبًا وتخفيف الركوع والسجود والاعتدالين... (حاشية ابن القيّم). وقوله: (كان يطيل الركوع والسجود ويخفِّف القيام) يعني بالمقارنة بما يفعله الناس حتى تكون متقاربة، لا أنّ الركوع والسجود كان طويلاً والقيام خفيفا.
وفي حديث حذيفة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قام بسورة البقرة والنساء وآل عمران؛ (ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوًا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام طويلاً قريبًا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبًا من قيامه) صحيح مسلم، فلا يمكننا القول إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يسبّح في سجوده غير تسبيحة واحدة، لأنّ هذا يتعارض مع قول حذيفة (فكان سجوده قريبًا من قيامه) ويلزم منه أنّه كرّر التسبيح في سجوده مرارًا حتى قارب سورة البقرة والنساء وآل عمران فكان سجوده قريبًا من قيامه، وكذلك في الركوع كرر التسبيح وفي اعتداله منه كرر الحمد، وعلى هذا؛ فالآثار التي فيها ذكر تسبيحة واحدة ليست حجّة لمن قال: إنّ أدنى الكمال في الركوع والسجود تسبيحة واحدة، وفي رواية النسائي وصحّحها الألباني قال: {سبحان ربّي العظيم سبحان ربّي العظيم سبحان ربّي العظيم}... وزيادة الصحيح صحيحة معتبرة، فذِكْر هذه التسبيحات الثلاث هو إشارة للتكرار لا للحصر، وكذلك قوله: {لربي الحمد لربي الحمد} في اعتداله بعد الركوع.
والآثار التي فيها ذكر عدد التسبيحات أسانيدها ضعيفة، ومنها حديث ابن مسعود أنّ من قال في ركوعه: سبحان ربّي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه... فهو مشهور احتجّ به العديد من العلماء على أنّ أدنى الكمال في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات، ولكن ضعّفه الألباني وعامّة المحدّثين قالوا بانقطاعه. وحديث السعدي عن أبيه أو عمه قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته فكان يتمكّن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده ثلاثا. ضعّفه الذهبي وابن حجر وابن القيم والأرنؤوط لجهالة السعدي ومن فوقه، وهو أيضًا شاذّ لمعارضته ما هو أثبت منه في الخبر وفي قوله في الركوع والسجود سبحان الله وبحمده!. وحديث؛ سبحوا ثلاث تسبيحات ركوعًا وثلاث تسبيحات سجودًا، ضعّفه الألباني. وأمّا حديث سعيد بن جبير عن أنس قال: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى) يعني عمر بن عبد العزيز، قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات. فقد ضعّف الألباني والأرنؤوط هذه الرواية التي فيها ذكر التسبيحات العشر.
وكنت قد ذكرت في البحث السابق في كتاب (الصلاة وتقارب أركانها) أثرين صحّحهما الألباني عن عقبة وعن حذيفة (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: سبحان ربّي العظيم ثلاثًا وإذا سجد قال: سبحان ربّي الأعلى ثلاثًا) ثم وجدت له كلامًا في (إرواء الغليل) ذكر فيه أنّ كلمة (ثلاثا) إسنادها ضعيف، ثم قال: (إنها صحيحة لأنّ لها شواهد كثيرة وإن كانت لا تخلو من مقال ولكن مجموعها يدلّ على ثبوتها)، وباعتبار صحّة هذين الأثرين بيّنت في ذلك البحث احتمال أن لا تكون هذه الكلمة من قول عقبة أو حذيفة (وإذا وُجد الاحتمال بطل الاستدلال) لأنّ من عادة بعض الرواة اختصار التكرار في المتن إلى عددٍ يدلّ عليه، -كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ {ألا إنّ القوّة الرمي ألا إنّ القوّة الرمي ألا إنّ القوّة الرمي} رواه مسلم وابن حبان وأبو داود وغيره بهذا اللفظ، وجاء في سنن الترمذي وابن ماجة بلفظ {ألا إنّ القوّة الرمي ثلاث مرات}- ومع ضعف إسنادها -أعني كلمة (ثلاثًا أو ثلاث مرات)- وصحّة إسناد رواية النسائي لحديث حذيفة السابق يتأكّد لنا أنّ هذه الكلمة هي اختصار من بعض الرواة للتكرار في كلام الصحابة، وهذا التكرار هو إشارة لتكرار التسبيح لا لحصره، فلا حجة فيه لمن قال إنّ أدنى الكمال في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات.
وعليه؛ لا يصحّ ولا يحلّ لنا أن نحتجّ بأقوال العلماء المستندة إلى تلك الآثار في معارضة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفعله الثابت، قال شيخنا العثيمين: (إنّه لا يُحتجّ بأقوال العلماء إلاّ إذا كان هناك دليلٌ من الكتاب والسنّة فيُحتجّ بالكتاب والسنّة، أمّا أقوال العلماء فإنّها يُحتجّ لها ولا يُحتجّ بها). وكان ذلك منهج الأئمة الأربعة وغيرهم من سلفنا الصالح، ومنه قول الشافعي: (أجمع المسلمون على أنّ من استبان له سنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلّ له أن يدَعَها لقول أحد) وقول أحمد: (لا تقلّدني ولا تقلّد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا) وقول أبي حنيفة: (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي) ولذا لَمّا جمع المحقّق ابن دقيق العيد المسائل التي خالف مذهب كلّ واحد من الأئمة الأربعة الحديث فيها قال في مقدمة ذلك: (إنّ نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام، وإنّه يجب على الفقهاء المقلّدين لهم معرفتها لئلاّ يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم). والعلم هو معرفة الحقّ بدليله، وإنّما يحاسب المسلم يوم القيامة بحسب علمه لا علم غيره، فلا يترك علمه لقول أحد حتى يعلم أنه الحق بالدليل الصحيح والفهم الصحيح الذي تدلّ عليه القرائن الصحيحة ولا يتعارض مع شيءٍ من القرآن والسنّة الصحيحة وقواعد الشريعة ومقاصدها العظيمة، ومن عرف الحق بدليله وجب عليه العمل به ولا يجوز له تقليد غيره بخلاف ما يعلم.
وقد ذكَر المناوي بعض الاحتمالات على قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أعطُوا كلّ سورةٍ حظّها من الركوع والسجود} فقال: يحتمل أنّ المراد إذا قرأتم سورة فصلّوا عقبها صلاة قبل الشروع في أخرى، ويحتمل أنّ المراد أوفوا القراءة حقّها من الخشوع والخضوع اللذين هما بمنزلة الركوع والسجود في الصلاة، وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا. (فيض القدير). ومن الواضح أنّ هذا ليس شرحًا للحديث، بل هي احتمالات مختلفة وكلّها بعيدة؛ فلا أعلم حديثًا صحيحًا ولا حتى ضعيفًا يدلّ على مشروعية الصلاة بعد كلّ سورة! ولا أعلم أنّ أحدًا من العلماء فعلَه أو قال به، والاحتمال الثاني أبعد من الأول وهو من تحميل النصوص ما لا تحتمل، وهو من صرف النصوص عن ظاهرها دون سبب، وليس خشوع التلاوة معلّق بكلّ سورة، ومن المعلوم أيضًا أنّه ليس في كلّ سورة سجدة، ولا يلزمك الركوع مع سجود التلاوة!. ولا يبدو أنّ أحدًا وافق المناوي في شيءٍ من ذلك، بل ولا يبدو أنه هو نفسه مقتنع به.
وذكر العيني قول بعض العلماء؛ إنّه لا ينبغي للرجل أن يزيد في كلّ ركعة من صلاته على سورة مع فاتحة الكتاب واحتجّوا في ذلك بما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن هشيم عن يعلى بن عطاء عن ابن لبيبة قال: قلت لابن عمر أو قال غيري: إنّي قرأت المفصّل في ركعة، قال: أفعلتموها؟! إنّ الله تعالى لو شاء لأنزله جملة واحدة، فأعطوا كلّ سورة حظها من الركوع والسجود. وأخرجه الطحاوي أيضًا... (عمدة القاري). وفهمهم هذا يتعارض مع السنّة الثابتة ويتعارض مع رأي ابن عمر نفسه لأنّه كان يقرأ في الركعة بالسور كما روى أحمد وصحّحه الأرنؤوط، وذكر العيني في موضع قريب مما سبق جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدة بناءً على حديث الذي كان يقرأ سورة الإخلاص في كل ركعة مع سورة أخرى غير الفاتحة، وقال: وإليه ذهب سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعلقمة وسويد بن غفلة وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية ويروى ذلك عن عثمان وحذيفة وابن عمر وتميم الداري رضي الله تعالى عنهم. قلت: ومما يدلّ على جوازه أيضًا حديث حذيفة السابق أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة، وجاء في الصحيحين أنّ رجلاً من بني بجيلة يُقال له نهيك بن سنان جاء إلى عبد الله ابن مسعود فقال: إني أقرأ المفصّل في ركعة، فقال عبد الله: (هذّاً كهذّ الشعر؟ إنّ أفضل الصلاة الركوع والسجود، إنّي لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في كلّ ركعة) وهذا اللفظ لمسلم.
وقول ابن مسعود: (إنّ أفضل الصلاة الركوع والسجود) يتفق مع الفهم الصحيح لما أراده ابن عمر بقوله: (أعطوا كلّ سورة حظها من الركوع والسجود) في حادثتين متماثلتين تحذيرًا من أن يغلب طول القيام على الركوع والسجود، وهذا يؤيد قول الألباني في هامش صحيح الجامع على هذا الحديث: (كأنّه يعني الأمر بتعديل الأركان والتسوية بين القيام والركوع والسجود كما هي السنّة) فهو المعنى الصحيح الذي اجتمعت فيه دلالة السنّة الصحيحة وفهم الصحابة وفعلهم والدلالة اللغوية الظاهرة وأيدته النصوص السابقة في فضيلة الركوع والسجود، وتفضيل القيام على الركوع والسجود هو أمرٌ محدَث خشي الصحابة وقوعه وأنكروه كما قال ابن عمر: (أفعلتموها؟!).
وبالله التوفيق والحمد لله ربّ العالمين
كتَبه/ محمّد بن أحمد التركي / في رجب 1428
شبهات وردود:
- روى البخاري في صحيحه عن البراء أنّه قال: (كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبًا من السواء) وهذا يحتمل أن يكون القيام والقعود أطول أو أقصر من الركوع والسجود، كما في رواية ابن خزيمة: (كان قيام النبي صلى الله عليه وسلم وركوعه وسجوده وجلوسه لا يُدرَى أيّهُ أفضل) قال أبو بكر: يريد أفضل؛ أطول، وقال الأعظمي: إسناده صحيح، ورواية مسلم تثبت المقاربة للقيام؛ قال البراء: (رمقت الصلاة مع محمَّد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء) ويمكن الإجابة عما يبدو من تعارض في هذه الأخبار بما يلي؛ فأمّا القعود للتشهد الأخير فلَيس داخلاً في المقاربة، وقد يكون أطول أو أقصر بحسب القراءة في القيام وبحسب الدعاء قبل السلام، ولعلّ المقاربة في الاعتدالين هي بالنسبة للركوع والسجود لا للقيام كما في حديث حذيفة السابق، وأما المقاربة بين القيام والركوع والسجود ففيها أمر النبي صلى الله عليه وسلم: {أعطوا كلّ سورة حظّها من الركوع والسجود} فقد يكون القيام أقصر إذا اقتصر فيه على سورة الفاتحة وأطال الركوع والسجود فلا بأس، وقد يكون أطول إذا قام بسورة طويلة ثم ركع وسجد بقدر قراءة أكثرها أو بقدر قراءتها حدرًا فذلك حظها*، وقد يطيل الركوع والسجود حتى يماثل القيام، فيكون حكم الصحابي مختلفًا بحسب تقديره لذلك، ولكنه لا يخرج في كلّ هذه الأحوال عن معنى المقاربة، وعلى هذا نحمل تتمة قول أنس: {كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة وكانت صلاة أبي بكر متقاربة فلما كان عمر بن الخطاب مدّ في صلاة الفجر} فهو لم يبين لنا مقدار ذلك المدّ وهل يكون بذلك قد خرج عن معنى المقاربة حقّا؟ ثم إنّه وإن كان ظاهره أنّه مدّ القيام فهو يحتمل أنه مدّ الركوع والسجود، أو لعلّه مدّ الصلاة كلّها.
* مثلاً؛ يمكن قراءة التوبة بترسّل في ساعة، ويمكن قراءتها بالحدر في نصف ساعة، فيكون لكلّ صفحة 1.5 دقيقة للركوع والسجدتين ذلك أقلّ حظّها ونصيبها و 1.5 للاعتدالين معًا، فتلك 60 ساعة لكامل القرآن + 30 ساعة لقراءته، وعليه؛ يمكن ختم القرآن في قيام رمضان مثلاً في 90 ساعة + 15 ساعات لسورة الفاتحة (في 380 ركعة) وحظّها من الركوع والسجود مع التشهّد والانتقالات بين الأركان، فتلك 2.75 ساعة لكلّ 10 ركعات، ذلك أقلّ ما يستحقّه الركوع والسجود لمن عرف فضلهما، ويمكن الاستعانة بالعشاء والفجر لتأخذا ربع القرآن فتبقى ساعتان لكل 10 ركعات، والمقاربة في الصلاة أهمّ من ختم القرآن فيها لمن فَقِه سنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم وكان همّه مرضاة ربّه عزّ وجلّ.
- وعلى ذكر قيام رمضان؛ أتساءل عمّن فرّق بين صلاة التراويح والتهجّد في إطالة الركوع والسجود؟! أمّا قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة} فقد قاله بعد أن قام نصف الليل وطُلِب منه الإتمام، فمن فعل ذلك بالمحبة والرغبة في المزيد فنعَم، أما القول بأنه على إطلاقه فلا، إذ يلزم له لوازم غير مقبولة، مثل أن يستوي من قام كذلك ومن قام نصف ساعة يريد الراحة والتفرغ لدنياه!.
- وأورد البعض قول النووي بعد حديث البراء: (واعلم أنّ هذا الحديث محمول على بعض الأحوال، وإلاّ فقد ثبتت الأحاديث السابقة بتطويل القيام...) قلت: إنّ إطالة القيام لا تنفي إطالة الركوع والسجود، فلَيس للنووي في هذه الأحاديث حجّة على ما ذكر، وكلام ابن تيمية وابن القيم في ذلك أثبت، وقد سبق حديث حذيفة والذي فيه أنّ ركوعه وسجوده عليه الصلاة والسلام كان قريبًا من قيامه الذي قرأ فيه بسورة البقرة والنساء وآل عمران.
- قيل: إنّ الليل كلّه لا يكفي لصلاة تلك الركعة! قلت وماذا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار} صحيح الجامع، فربطه التقارب بشيء محسوس يدلّ على أنه تقارب حقيقي وليس معنويّاً كما ظن البعض، فمن الخطأ الاحتجاج باستحالة إطالة الركوع والسجود قريبًا من القيام في حديث حذيفة أو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم المغرب بسورة الأعراف لأنّ الزمان يختلف، وقد أصبح هذا التقارب محسوسًا في زماننا هذا.
- قالوا: لا تفتن الناس، واحتجوا بحديث معاذ؛ {أفَتّان أنت؟} قال ابن القيم في حاشيته: وأما حديث معاذ فهو الذي فتَن النقّارين وسرّاق الصلاة لعدم علمهم بالقصة وسياقها، فإنّ معاذًا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف بقباء فقرأ بهم سورة البقرة... قلت: ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخّر العشاء الآخرة، ومعلوم أيضًا المسافة بين مسجده وقباء، لندرك متى بلغهم معاذ بعد أن ذهب من الليل ما ذهب بعد يوم عمل وتعب، ثم صلى بهم العشاء بسورة البقرة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم {يا معاذ؛ أفَتّان أنت؟ اقرأ (والشمس وضحاها) و(سبح اسم ربك الأعلى) ونحوها} فأمره بتخفيف القيام في صلاة العشاء ولم يأمره بتخفيف الركوع والسجود وهما تبع للقيام تخفيفًا وتطويلا، وقد روى مسلم في صحيحه أنّه (كانت صلاة الظهر تُقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطوّلها)، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: {أيها الناس؛ إنكم منفّرون، فمن صلى بالناس فلْيخفّف فإنّ فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة} متفق عليه. قال ابن القيم: فأيّ متعلّق في هذا للنقّارين وسُرّاق الصلاة؟!... ومعلوم أنّ الناس لم يكونوا ينفرون من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ممن يصلّي بقدر صلاته وإنما ينفرون ممن يزيد في الطول على صلاته فهذا الذي ينفّر، وأمّا إن قُدّر نفور كثير ممن لا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى وكثير من الباطولية الذين يعتادون النقر كصلاة المنافقين وليس لهم في الصلاة ذوق ولا لهم فيها راحة بل يصلّيها أحدهم استراحة منها لا بها فهؤلاء لا عبرة بنفورهم... (حاشية ابن القيم).
- وروى البخاري في صحيحه عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته؛ تعني بالليل، فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه. فلا يمكن القول إنه يقوم بسورة البقرة ويركع ويسجد بقدر خمسين آية! لأنّ هذا الأثر عن عائشة ليس فيه ذكر سورة البقرة، والآثار التي جاء فيها ذكر قيامه بسورة البقرة جاء فيها أيضًا أنّ ركوعه وسجوده كان نحوًا من قيامه، ووردت بعض الآثار في مجمع الزوائد ومسند إسحاق بن راهويه أنّ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل كانت بقدر خمسين آية، وذكر الألباني ذلك في صفة الصلاة، وهذا يتفق مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في أقل من سبع، فتكون الليلة منها بقدر سورة البقرة وآل عمران، فتلك خمسين آية لكلّ ركعة، فيُحمل ذلك على الغالب، وفي سنن النسائي عن عوف بن مالك قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فلمّا ركع مكث قدر سورة البقرة يقول في ركوعه: {سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة}. وعن حذيفة قال: وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبًا من السواء. صحّحهما الألباني.
- وحديث؛ (أيّ الصلاة أفضل) جاء عن عبد الله بن حبشي بلفظين {طول القنوت} و{طول القيام}، والثاني شاذ، والأول هو الصحيح كما في حديث جابر في صحيح مسلم وفي عامّة كتب الحديث.
- وقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفّف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إنّي لأقول هل قرأ بأمّ الكتاب) يُفهم منه تخفيف القيام، وقد ثبت أنّه كان يقرأ في سنّة الفجر مع الفاتحة بسورة الإخلاص والكافرون، والثابت في قراءته أنه كان يمدّها مدّاً ويقطّعها آية آية، وفي صلاته أنّها كانت متقاربة، وهذا المنطوق مقدّم على فهمنا لقول عائشة وما بدا لنا فيه من التخفيف، والصحيح أنّ تقدير عائشة هذا كان متأثرًا بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم الطويلة بالليل والفجر، فبدت لها سنّة الفجر بينهما خفيفة جدّاً بالمقارنة، ومعروف في واقعنا اليومي المشاهد تأثّر التقديرات الشخصية بقرائنها القريبة منها سواء في السرعة أو الحرارة أو الإضاءة وغيرها، فيجب أن ننتبه لهذا في فهمنا للآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
- ولقد احتجّ الحنفية بحديث المسيء صلاته على عدم وجوب الفاتحة لأنّ فيه {ثم اقرأ بما تيسّر معك من القرآن} واحتجّ الجمهور على وجوبها بحديث {لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأمّ القرآن} فعند جمهور العلماء لا يكفي حديث المسيء صلاته لإقامة صلاةٍ صحيحة لأنّه لم تُذكر فيه كلّ الأركان والواجبات.
- وأختم بهذه الفائدة؛ قال ابن القيم في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد: ولم يكن (يعني الإمام أحمد) يقدّم على الحديث الصحيح عملاً ولا رأيًا ولا قياسًا ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعًا ويقدّمونه على الحديث الصحيح! وقد كذّب أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضًا نصّ في رسالته الجديدة على أنّ ما لا يُعلم فيه بخلاف لا يُقال له إجماع ... ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدّموا عليها توهّم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطّلت النصوص وساغ لكلّ من لم يعلم مخالفًا في حكم مسألة أن يقدّم جهله بالمخالف على النصوص... وفي فصل في أنه لا يصحّ للمفتي أن يفتي بضدّ لفظ النص؛ قال: وقد كان السلف الطيب يشتدّ نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنًا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقّف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، وبقوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويُسلّموا تسليما}، وبقوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون}، وأمثالها، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم؛ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا، يقول: من قال هذا؟ دفعاً في صدر الحديث! ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أنّ هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحلّ له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنّة، وهذا سوء ظنّ بجماعة المسلمين؛ إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع؛ وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنّة، والله المستعان
__________________ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
| |
|